نتائج تشريح مارادونا تكشف "عذابه"- إهمال طبي أم قضاء وقدر؟

في سياق التطورات المثيرة المتعلقة بفقدان أسطورة كرة القدم الأرجنتينية، دييغو أرماندو مارادونا، كُشِف النقاب بشكل رسمي عن النتائج النهائية لتشريح جثمانه، وذلك خلال جلسة محاكمة عقدت لمحاكمة سبعة أطباء وممرضين متهمين بالإهمال الطبي الجسيم الذي أفضى إلى وفاته المأساوية في شهر نوفمبر من عام 2020. هذه القضية، التي أثارت جدلاً واسع النطاق في الأرجنتين وامتد صداها إلى جميع أنحاء العالم، تسلط الضوء بقوة على الظروف المأساوية والمفجعة التي صاحبت الرحيل الأليم لأحد أعظم وأمهر لاعبي كرة القدم على مر التاريخ.
أدلى الطبيبان الشرعيان، ماوريسيو كاسينيلي وفيديريكو كوراسانيتي، اللذان قاما بإجراء عملية تشريح جثة مارادونا، بشهادتهما الحاسمة أمام المحكمة الموقرة في سان إيسيدرو بضواحي بوينس آيرس، وكشفا عن تفاصيل مروعة ومفزعة. أكد كاسينيلي بكل وضوح أن قلب مارادونا أظهر "علامات عذاب" جلية وواضحة، مشيراً بكل أسف إلى أن الألم قد بدأ "قبل اثنتي عشرة ساعة على الأقل" من لحظة وفاته. وأضاف بأسى بالغ أن "وزن قلب النجم الأرجنتيني الراحل كان ضعف الوزن الطبيعي لقلب شخص بالغ"، وهو ما يعكس بصورة دامغة حالة صحية متردية ومدهورة. كما تبين أيضاً أن رئتي مارادونا كانتا "ممتلئتين بالماء" نتيجة وذمة رئوية حادة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بفشل القلب وتشمع الكبد، في حين كان دماغه أثقل بكثير من المعدل الطبيعي.
من جانبه، أشار كوراسانيتي بأسف بالغ إلى أن مارادونا "عانى من عذاب شديد وألم مبرح"، مؤكداً بكل تأكيد أن حالته الصحية كانت واضحة وضوح الشمس، وكان من الممكن ملاحظتها بمنتهى السهولة من خلال إجراء فحص بسيط وروتيني كوضع اليد على ساقيه أو الاستماع إلى رئتيه باستخدام سماعة طبية متخصصة. ومع ذلك، لم يتم العثور على أي آثار للكحول أو المواد السامة في جسده، مما يعزز بقوة الفرضية القائلة بأن الإهمال الطبي كان السبب الرئيسي والمباشر في وفاته المفجعة.
تجدر الإشارة إلى أن دييغو أرماندو مارادونا قد فارق الحياة في الخامس والعشرين من شهر نوفمبر لعام 2020 عن عمر يناهز الستين عاماً في منزله الكائن بمنطقة تيغري شمال بوينس آيرس، وذلك بعد أسبوعين فقط من خضوعه لعملية جراحية معقدة في الدماغ لإزالة جلطة دموية. ومنذ ذلك الحين، أثيرت تساؤلات مشروعة حول جودة الرعاية الطبية التي تلقاها خلال فترة نقاهته الحساسة. وقد وجهت النيابة العامة الأرجنتينية اتهامات خطيرة إلى سبعة أشخاص، من بينهم طبيبه الشخصي ليوبولدو لوكي، والطبيبة النفسية أوغوستينا كوساشوف، بتقديم رعاية "متهورة وضعيفة" تركته "لمصيره" لفترة طويلة ومؤلمة للغاية. وفي حال إدانتهم، قد يواجه المتهمون أحكاماً بالسجن تتراوح مدتها بين ثماني سنوات وخمس وعشرين سنة.
دييغو أرماندو مارادونا، الذي وُلد في الثلاثين من شهر أكتوبر لعام 1960 في ضاحية فيلا فيوريتو ببوينس آيرس، يُعتبر على نطاق واسع أحد أعظم وأمهر لاعبي كرة القدم على مر العصور. قاد منتخب الأرجنتين الوطني للفوز بكأس العالم عام 1986 في المكسيك، حيث سجل هدفين تاريخيين لا يُنسيان في مرمى إنجلترا في الدور ربع النهائي (الهدف الأول المثير للجدل بـ "اليد"، والهدف الثاني الذي وُصف بأنه "هدف القرن" بعد مراوغته لخمسة لاعبين بمهارة فائقة). لعب مارادونا لأندية كبرى وعريقة مثل بوكا جونيورز، وبرشلونة، ونابولي، حيث حقق مع الأخير لقبي الدوري الإيطالي المرموق.
على الرغم من تألقه اللافت في الملاعب، عانى مارادونا من مشكلات شخصية جمة، بما في ذلك إدمان الكوكايين والكحول، مما أثر بشكل كبير على مسيرته الكروية وعلى صحته لاحقاً. ورغم ذلك، بقي رمزاً وطنياً في الأرجنتين، حيث يُخلّد اسمه على الجدران وفي التماثيل، ويُحتفى به كبطل شعبي أسطوري.
أثارت نتائج التشريح المعلنة غضباً عارماً واستياءً واسع النطاق بين عشاق مارادونا المخلصين، الذين تجمعوا بأعداد كبيرة خارج المحكمة حاملين لافتات تطالب بـ "العدالة لدييغو". وقال أحد المشجعين الغاضبين: "كان بإمكانهم إنقاذه بكل سهولة لو أُعطي الرعاية الطبية اللازمة، لكنهم للأسف الشديد تركوه يعاني آلاماً مبرحة".
من جانبها، تستمر المحاكمة التي انطلقت في الحادي عشر من شهر مارس الجاري، ومن المتوقع أن تستمر حتى شهر يوليو القادم، مع شهادات حاسمة لأكثر من مئة شخص، من بينهم أفراد عائلته وأصدقاؤه المقربون.